أحدث ما نشر

مدونة الشاعر والباحث قاسم موسى الفرطوسي .

الخميس، 17 سبتمبر 2015

القصب مادته الاساسية صناعة «البواري».. إرث سومري خالد الصباح - يوسف المحمداوي@اشاره للكاتب @قاسم موسى الفرطوسي@مشلهدات معلم في الاهوار)

القصب مادته الاساسية
صناعة «البواري».. إرث سومري خالد
الصباح - يوسف المحمداوي
وسط الهور ذلك العالم الساحر يتصدر القصب أولويات حاجة الإنسان هناك، فهذه المادة التي لا تتدخل الإرادة البشرية في وجودها، ولا تمكن زراعتها لكونها من إنتاج الطبيعة ولا دخل لنا في زرعها. نعم القصب مثل الماء في مسألة استمرارية الوجود والحياة للإنسان وحتى للحيوان، ومنه وعبر الحضارات جميعها كان العمود الفقري في توفير جميع احتياجات العائلة السومرية سابقا أو لاحقا، فمنه تصنع البيوت والقوارب، وإليه يعود الفضل في توفير سلال الحفظ (الكفه) ومنه تولد موائد الطعام (الطبك)، وهو اكياس التسوق (السلال ) وهو سجادة الجلوس (البارية) والعديد من أدوات المنزل التي يدخل في صناعتها، ولكن تبقى اهم صناعة له في حياة اهل الهور هي (البارية) وهي كلمة عراقية أكدية تعني قصبة البردي المجوفة، لكونها السقف وجدران كل بيت، فضلا عن كونها بمثابة السجاد لكل مضيف.
صناعة البواري ليست بالعمل السهل وتحتاج الى خبرة متوارثة كأي مهنة، لذلك تجد هناك مناطق أو بالأحرى قرى متخصصة في صناعتها، ومن تلك القرى (الجبايش، العويدية، الطار، الكبيبة، الكبة، الصيكل، الصحين، العكر، ابوشذر، الكباب، السفطة، السودة والبيضة، الترابة، أم الشويج، صلين، قرية الشغانبة).. وتعد علوة الحاج سويلم في قرية أم الشويج في أهوار القرنة الغربية أكبر العلاوي لبيع البواري.
وبعد تجفيف الأهوار في العام 1992 أصيبت البواري بالشلل التام وأخذ عرب الأهوار يعتمدون على الطين في بناء مساكنهم، كما يقول الباحث قاسم موسى الفرطوسي في مشاهداته عن الأهوار، مبينا ان البارية جمعها باريات وبعد طيها على شكل أنبوب تسمى (بواري) وهو الاسم المتداول به لدى عرب الأهوار، ومن الخطأ ان نطلق عليها بالحصران، لأن الحصيرة تحاك من نبات الكولان والخيوط، أو من خوص النخيل، بينما البواري تصنع من القصب الجيد، وتمتاز بتعدد الأغراض، منها في تسقيف وتغليف البيوت القصبية والمضايف الكبيرة وفرشه، وإذا كانت على شكل برميل تسمى (كعيدة) وتستخدم لتنقيع بذور الشلب داخل الماء ولعدة أيام قبل نثرها في المزرعة، وتعد البواري المورد الثالث للعيش في الأهوار بعد الزراعة وصيد الأسماك والطيور.
القصب نبات طبيعي وسومري حيث جاء ذكره في ملحمة «كلكامش» وكان السومريون يصنعون الاكلاك والمشاحيف منه كواسطة نقل في مياه البطائح (ياكلكامش قوض البيت.. وابن لك فلكا) وكان الأجداد حتى منتصف القرن التاسع عشر يصنعون المشاحيف من القصب والبواري بعد طليها بالقير ويسمونها (زعيمة) وذلك قبل دخول الخشب والمسامير إلى الأهوار كما يقول الفرطوسي، وبما أن القصب نبات موسمي فيبدأ بالاخضرار والنمو في بداية شهر شباط ويسمى (عنكر) ويكتمل نموه في شهر أيار وهنا يصبح صالحا لصناعة البواري، حيث تتحول بيوت عرب الأهوار العائمة إلى ورش صغيرة، فالأب يذهب قبل طلوع الفجر إلى الأهوار لجلب القصب، وبعد عودته يقوم الأطفال بنزع قشوره (تقشير)، ثم تتحول حزم القصب المقشر إلى الرجل والذي يقوم بدوره في شق القصبة إلى نصفين متساويين بواسطة آلة حديدية صغيرة تشبه المنجل وتسمى (مشقة) وهذه العملية تدعى (تفشيق)، وكل جزء من هذه القصبة يسمى (ليطة) تكون بعرض انج ونصف تقريبا.
مع انتهاء تلك العملية يكون بداية دور المرأة كما يقول الفرطوسي صاحب كتاب «مشاهدات معلم في الأهوار»، حيث تقوم بدق ورض حزم القصب دقا جيدا بواسطة خشبة على شكل حرف (تي) بالانكليزي وفي وسطها ثقب يثبت فيه عمود غليظ وتسمى هذه (مدقة) وبعدها توضع جميع الحزم المرضوضة في الماء حتى تصبح طرية، وهنا يصبح الليط جاهزا للحياكة، ومن ثم يقوم الرجل بصف 9 ليطات بعرض انج ونصف لكل منها وبطول 4 امتار تقريبا،
وتمرر مئات من الليط بينها وذلك برفع ثلاث وخفض ثلاث، وهنا يحدد عرض البارية وتسمى البدوة أي البداية، ثم تجلس العائلة بنسق واحد لتمرير الليط في الجهة اليمنى للبارية وعندما تكتمل بطول اربعة امتار تتجه العائلة إلى الجهة اليسرى لإكمالها كذلك، وهنا أصبحت كاملة تماما ثم يقوم الرجل بثني حافاتها والبدء بالثانية والثالثة وهكذا. وربما يكون إنتاج العائلة من ثلاث إلى اربع بواري في اليوم حيث تصبح جاهزة للبيع.
اما أسماء البواري فهي (النعمانية، العشيراوية، التسيعية، الستر، الكعيدة، الهند).