أحدث ما نشر

مدونة الشاعر والباحث قاسم موسى الفرطوسي .

الأحد، 18 أغسطس 2024

حطاب ادهيم . شاعر من الاهوار





حطاب ادهيم . شاعر من الاهوار

قاسم موسى الفرطوسي

     

 


 
جدول المجر الكبير المتفرع من ضفة دجلة الغربية جنوب مدينة العمارة تنساب مياهه الغرينية ماراً بمدينة سميت باسمه ومن ثم تصب تفرعاته في هوريّ الوادية والصحين, كان هذا في الأربعينيات حيث ولادة الشاعر حطاب ادهيم الفيصلي وفي مسقط رأسه مدينة المجر الكبير الغافية على ضفاف هور (أم الفشك), تعرفتُ عليه عام 1956 حيث كنا طلاباً في متوسطة المجر الكبير ومن ثم التحقنا بدار المعلمين عام 1959 ومن بعدها انظم إلينا الشاعر الكبير عيسى حسن الياسري( المغترب حالياً في كندا) بعد أن جاء من قرية أبو بشوت (أحدى قرى ناحية كميت) لإكمال دراسته فاصبحنا ثلاثة لا نفترق, وحطاب وعيسى كانا في بداية مشوارهما الأدبي و قصائدهما الأولى قرأت أمامي وعلى ضفاف دجلة وعلى أنغام معزوفة (عمي يبياع الورد) حيث كان حطاباً عازفاً بارعاً على الناي والذي لا يفارقه.

  وأوائل الخمسينيات تعد بداية الحركة الأدبية في العمارة والتي قادها طلاب لا زالوا في مرحلة الثانوية والوافدين من اهوار وأرياف العمارة ومنهم (مالك المطلبي, عبدالرزاق المطلبي, حسب شيخ جعفر, جبار حسين علوان, باسل العرس, عبدالرضا اللامي, محمد جواد الأعرجي, عيسى الياسري, حطاب ادهيم) وكان ذلك بإشراف وتشجيع أساتذة أكفاء منهم الاستاذ عزيز ياسين (كاتب قصة فطومة) والأستاذ عبدالواحد محمد مسلط (عميد كلية اللغات حالياً) وكثير ما كانت الأماسي تعقد في أروقت القسم الداخلي آنذاك فاصبح حطاباً شاعراً يشار له بالبنان حتى تخرجه عام 1962 وتعيينه معلم في هور (الجندالة) أما أنا فقد تلاقفتني أمواج الهور المتلاطمة وانحدرت بي إلى أقصى نقطة في الاهوار وإلى (هور الكبيبه) ولا ذنب لي سوى أن المدرسة تحمل أسم عشيرتي (مدرسة آل فرطوس الريفية) والتي تعد أبعد مدرسة في مديرية معارف العمارة آنذاك والتي صفوفها من القصب البالي وبنايتها علي كلك تحركه الأمواج وأمضيت فيها ثلاثة سنوات, ولكننا كنا نلتقي في العطلة الصيفية عندما قررنا أن نتجول بمشحوفنا الصغير في مجاهل الأهوار لإكمال كتابنا (أهوار في جنوب العراق) والذي حصلنا على موافقة طبعه من وزارة الثقافة عام 1974 وقد تعثر ولا زال مركوناً في زوايا أحدى المطابعة الأهلية في شارع المتنبي.

   حطاب الجنوبي ابن الهور والذي خلق من طينه وشرب من ماء (كواهينه) وحلق مع طيور الحذاف وتذوق حلاوة(الخريط) ونام في دفئ مضايف أهله شاعراً كبيراً كتب الكثير من الشعر ونشرت له الصحف والمجلات العراقية والعربية ونظم الكثير من قصائد الغزل وأهم مجاميعه ديوان (أغيرائيات لعيون ليلى) والذي أرسله إلى صديقه جورج شكور في لبنان ولم يطبع لحد الآن وأخيراً أصدر ديوانه (قصائد الموت), وحطاب شارك في المرابد كلها ومنذ المربد الأول وارتبط بصداقات مع الكثير من شعراء العرب والأجانب وكانت أولى قصائده عام 1960 عندما أحب فتاة في العمارة واسمها (دوريت) فهام بها وكتب رباعيته .

دوريت ما الأيام عادت تدور     ولا أيام العمـر فيها سرور

ولا أتت من بعدكم فرحــة      ولا تنادى الطير بين الزهور

وحطاب شاعر وجداني ولكنه مولعاً بالقصائد الحسينية وفي جرح الحسين (ع) قال:

يكفيك فخراً أنَّ جرحك مرزمُ          وباقِ جروح الآخرين تورمُ

يا سيد الشهداء يا ملك الإبئ            يا من به بدء الإباء ويختـمُ

وبعد أكثر من خمسين سنة في غزارة الشعر وحطاب لا زال ما سكاً بجذور قصب أهواره ويسكن قضاء المجر الكبير بعد إحالته إلى التقاعد.