أحدث ما نشر

مدونة الشاعر والباحث قاسم موسى الفرطوسي .

الأحد، 7 ديسمبر 2014

رحلة@ عبادي العماري انطلقت من مدرسة القحطانية الريفية بقلم الباحث والشاعر@ قاسم موسى الفرطوسي

رحلة عبادي العماري انطلقت من مدرسة القحطانية الريفية
بقلم الباحث والشاعر قاسم موسى الفرطوسي
قرية النكارة الغافية على ضفاف الجدول المسمى بأسمها والتي تنساب مياهه بين حقول الشلب الخضراء حيث يصب في اهوار الصحين والتي تنتشر فيها القرى العائمة وغابات القصب والبردي وكان هذا عام 1941 حيث ولد الطفل الاسمر عبادي هاتو فياض المحمداوي ومن عائلة فقيرة كانت تسكن في كوخ من القصب والبردي والحصران وبجوار مضيف الشيخ خلف بن مجيد خليفة وعند وفاة والده تربى في حضن والدته ( ابيشة) وخالته ( اشويشة ) وكانتا تجيدان النعي ليلا في اثناء الطحن بالرحى وفي عام 1948 التقيت به حيث كنا في الصف الاول في مدرسة القحطانية الريفية وكنا نحسده نحن ابناء الفلاحين لضخامته وقوته الجسمانية حيث اختاره معلمنا انذاك المرحوم علوان شهاب مراقبا علينا وكثيرا ما كنا نتعرض الى العقاب الجماعي في اثناء الفرصة عندما يبدا التلميذ عبادي العماري بالغناء داخل الصف وهكذا انهينا الدراسة الابتدائية في صف واحد ورحلة واحدة حتى افترقنا عام 1954 حيث ذهبت الى اكمال دراستي ونشأ عبادي وترعرع في اهوار المجر الكبير وفي مجتمع فلاحي يسوده الظلم والاجتهاد والفقر والامية من اقطاعية جائرة خلفها الاحتلال العثماني اولا والبريطاني ثانيا حيث زرعا الفتنة والتفرقة والتخلف وعادات وتقاليد عشائرية جائرة ( الفصل والعطوة والنهوة والزواج كصة بكصة ) .
وفي الخمسينات من القرن المنصرم كان الغناء في الاهوار هو المتنفس الوحيد للترويح عن النفس المكبوتة فتأثر عبادي بالاغاني الشائعة في قرى الاهوار والتي فيها اللوعة والاسى والفراق والحزن السومري وكذلك تأثر بالمطربين القدامى ( جويسم كاظم و سيد محمد وسلمان المنكوب وصالح الحمراني ومسعود العمارتلي ) وفي مدة الخمسينات كان رواد الطرب الريفي يترددون على مضايف الشيوخ انذاك امثال داخل حسن و جواد وادي كان عبادي يستمع اليهم جيدا وفي نهاية القرن التاسع عشر ظهرت الاطوار الغنائية وانتشرت في الاهوار ( الطور المحمداوي والفالحية الساعدية والغافلي ) وفي الناصرية ولد الطور الصبي . وكان هذا عام 1863 واول من غناه ( رومي بن شعلان الصابئي المندائي ) وغناه في اهوار سوق الشيوخ وتولع عبادي العماري في صباه بالغناء واخذ يغني في الاعراس ويتردد على ( فرقة صبيح ابو حاتم ) الغنائية والتي كان مقرها قرية الصحين وقد اشتهر بغناء الهجع والبستة وكان ذلك في بداية مراهقته وعدم اكتمال صوته وفي شبابه يقال ان سبب ولعه هذا هو وقوعه في حب فتاة مما جعله يغني وينظم الشعر وعندما هاجرت عائلته الى بغداد عام 1958 وسكنت في منطقة شعبية اسمها الشاكرية فأتيحت له الفرصة الى الغناء في ( الشاكرية والمزرة والوشاش ) ومن ثم مدينة الثورة سابقا وفي بغداد التقى عبادي العماري برواد الطرب وتعرف عليهم امثال داخل حسن وحضيري وناصر حكيم وغيرهم الذين سبقوه الى الاذاعة والتلفزيون وعندما ذاع صيته اصبح مطربا معروفا تلاقفته مكاتب التسجيل في بغداد والمحافظات وخصوصا بعد ان شكل ثلاثيا بينه وبين الشاعر عباس الخياط ( صاحب تسجيلات الخيال ) وعازف الكمان الشهير فالح حسن فغنى لعباس الخياط عشرات الاغاني ومئات الابوذيات وكذلك غنى لمعظم الشعراء الرواد بالرغم من كونه شاعرا شعبيا حيث كانت اغانيه من نظمه وكانت موجهه وهادفه ضد العادات والتقاليد الاجتماعية والدخيلة على عاداتنا الاصيلة مثل اغنية ( فصلية ) والتي هي من كلمات الشاعر الشعبي ناصر محسن الساري والتي يصف فيها الفتاة الفصلية والتي تقول كلماتها ( جابوهه دفع للدار لا هلهولة ولا صفكة ) ومعاناة الفتاة الفصلية في بيت زوجها ( ايحاجيهه فدفرته وطارف نعاله ) اما الاغاني التي غناها وكتب كلماتها بنفسه ( بت جبار والعشار و خمسة ميل ) ولم تكن شهرته من خلال الاذاعة والتلفزيون لانه كان ممنوع من دخولها وانما كانت شهرته من خلال حضوره في الاعراس واشرطة التسجيل وهكذا انتهت رحلة عبادي العماري الغنائية والتي دامت اكثر من ربع قرن وعبادي فنان جنوبي اصيل وكان وفيا لمدينته العمارة مدينة الاهوار والانهار والمضايف والاشن والثقافة تاركا مئات الاغاني والبستات الشجية والتي لايخلو منها مكاتب التسجيل او بيوت محبي الغناء الجنوبي الاصيل ومازالت هذه الاغاني والاشرطة تصدح بصوته السومري الجنوبي الحزين ومازال في ذاكرة اصدقائه ومحبيه