أحدث ما نشر

مدونة الشاعر والباحث قاسم موسى الفرطوسي .

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

رحلة مع الباحث @قاسم موسى الفرطوسي بقلم الاعلامي @احمد الشيخ ماجد

رحلة مع الباحث قاسم موسى الفرطوسي
أربع وسبعون سنة رسمت تضاريسها بوضوح في وجه الباحث والشاعر قاسم موسى الفرطوسي.. آلام، وأحزان، وحنين إلى مسقط الرأس الأوّل كلها تبدو جلية في ملامح هذا الباحث الرائع..
على هامش النسيّان توفي هذا الرجل في مدينة الصدر، تاركاً أبحاث ثرة، دفاقة، ونادرة جداً من حيث النوع، والموضوع الذي كتب فيه.. أختص الأستاذ "قاسم موسى الفرطوسي" بالاهوار، وعشق أرضها كونها مسقط رأسه، وأراض آبائه، وأجداده، وتعلّم فيها كل شيء. وخرج منها مختلفاً بشخصيّته، وأفكاره، وبحوثه الغنية التي لا يخرج منها القارئ إلا بقناعة تامة، على أنَّ هذا الرجل يكتب بصدق، وبحبّ قل نظيره عند الكتاّب..
ولد الاستاذ قاسم "رحمه الله" سنة ١٩٤٠ في اهوار العِمْارة "هور الصحين" ودخل المدرسة، إلى ان أكمل دراسته، واصبح معلّم، وذلك بعد تخرجه من دار المعلمين في العمارة سنة 1962 وتم تعيينه في نفس العام، في مدرسة آل فرطوس الواقعة في الكبيبة، وهذه منطقة تسكنها عشيرة الراحل، وهي في عمق الاهوار، وسكنتها من المعدان، وللبريطاني "ولفريد ثيسيغر" كثير من المشاهدات فيها بكتابه عرب الهور..
بقي الراحل في بيئته، وفي عمقها، كونه لا يستطيع ان يفارقها، إلا قسراً. وذلك حينما انتقل إلى بغداد معلّماً في إحدى المدارس، ولكن حنينه إلى الأهوار لا يكاد يتركه أبدا، لذا تجد كلماته، وشعره معبأ برائحة القصب والبردي، وعبق الخضار الذي تمتلأ به طبيعة الأهوار الآسرة، فكانت سطوره تتحوّل لتكون خفق قلب، وتحليق روح، ونغم وجدان، تأخذ بالقارئ إلى عمق التأريخ ليصل به إلى الحضارة السومريّة، وعوالم السحر والجمال.. كان لا يترك صغيرة، وكبيرة إلا وتابعها، محاولاً تفسيرها، والوصول إلى جذورها، وذلك من خلال سماعه لمن هم، أكبر سنا منه، أو من بطون الكتب، ومصادر التأريخ..
التقيته ذات يوم في شارع المتنبي، أوّل ما وقعت عيني عليه، عرفته من ملامحه الجنوبية التي تنضح قيما، وطيبة، وثقافة اجتماعية عالية.. تعرّفت عليه قبلها قارئاً، وقد قرأتُ كتابه : "الامثال الشعبية في الاهوار" كان كتاب رائع، وجميل، أحصى جميع الأمثال التي يتداولها الناس في الاهوار، وفسرها، وتابع جذورها، ويستطيع الباحث من خلاله، أن يعرف تفكير المجتمع هناك، ونمط تعامله مع الحياة.. إضافة إلى ذلك له كتب عديدة، منها :
1_ الصيد في الاهوار
2_قاموس الاهوار (بجزئين)
3_ مشاهدات معلم في الاهوار
4_الاهوار في جنوب العراق
5_ الطب الشعبي في الاهوار
6_كشكول الاهوار
وله ديوان شعر شعبي في الغزل جميل، أسمه : "زبد معدان" وقد حصلت على بعض أشعاره، ومعظم قصائده كانت تتغنى بالاهوار، وسحر طبيعتها الخلابة، التي هزّت القلوب من أعماقها، وعشقها الكثيرون ممّن لم ينتموا إليها، ولكنهم أدركوا جمالها، وثراءها التأريخي العظيم.. يقول في احد قصائده :
يل العماره شسولفلچ
ما وصلتچ عني اخبار؟
لو عني نيام أهلچ
ما يدرون بيّه شصار
بيّه نضربت الأمثال
بيدي جبت : شلت الحال
من (الثورة*) أشد رحال
لهويرة رجب والدمع يجاره
ونيني عليچ ما يبطل
وحگ مايچ يالعماره .
وفي هذه الأبيات نجد حرارة في الفؤاد، والمحبة الصادقة، في وصف علاقته مع أرضه الضاربة بعمق التأريخ. حبّه لها جعله يغرس بصماته غرساً في كل صغيرة، وكبيرة تخص الأهوار. حتّى تحوّلت هذه البصمات إلى كتب تتلألأ عطاءً، ومعلومات ثمينة، ونادرة في هذا الشأن.. ونتمنى من وزارة الثقافة، والمؤسسات الثقافية، تهتم بنتاج هذا الباحث، فهو يستحق أن نكون أوفياء معه، كما كان وفياً، لوطنه، وأرضه..

— مع ‏قاسم موسى الفرطوسي‏.