أحدث ما نشر

مدونة الشاعر والباحث قاسم موسى الفرطوسي .

الجمعة، 4 يوليو 2014

(مشاهدات معلم في الاهوار) كتاب للمؤلف قاسم موسى جزيل الفرطوسي،



تراث شعبي
الصناعات الشعبية في الاهوار
إعداد :  كوثر جاسم
(خاص بالموروث)

في كتاب للمؤلف قاسم موسى جزيل الفرطوسي، بعنوان (مشاهدات معلم في الاهوار)، ويتألف من 182 صفحة من الحجم الكبير ، تناول فيه اهم الصناعات الشعبية في الاهوار، ومن هذه الصناعات نذكر كما جاء في كتاب الفرطوسي :
صناعة الاواني الفخارية من الطين
توارث عرب الاهوار صناعة الاواني الفخارية من الاقوام التي سكنت البطائح قبل آلاف السنين كالسومريين والبابليين والساسانيين والعباسيين وعرب دولة ميسان وغيرهم ، وكثيرا ما كان يعثر عرب الهور على بقايا اوان ٍ وجرار مزججة ومزخرفة في التلال الاثرية (الاشن) والمنتشرة في عمق الاهوار مثل اشان (اعزيزة،الواجف،ابو شذر،ابو حمورة،الـگبور،الهفة،الكباب،خدادا..وغيرها) وكانت هذه الجرار مشابه تماما للاواني الفخارية التي لايخلو منها كل بيت اهواري والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بحياتهم اليومية.
ورد في الكتاب ايضا أن صناعة الفخار تزدهر في فصل الصيف ومن اختصاص النساء وقد تلاقي المرأة الاهوارية صعوبة بالحصول على التراب من المناطق اليابسة او الطين (الحري) من مزارع الشلب في مواسم الفيضان وكميات الغرين الذي يجلبه نهرا دجلة والفرات في فصل الربيع والتي تسمى (تطياب) فبعد خلط الطين مع النفاش الذي تحصل عليه المرأة من اطراف البردي في شهر نيسان من كل عام وعندما يحدد نوع الاناء وحجمه يبدأ العمل اليومي به والذي يسمى (گيان) أي قيان وقد يستغرق هذا العمل عدت اسابيع ومن اكبر هذه الاواني الطينية (السد) وهو بحجم البرميل الكبير والذي يتميز بفوهته العريضة وغطائه الطيني الثقيل ويستخدم لخزن حبوب الشلب او الحنطة او الشعير والاصغر منه وتسمى (سدانه) وهي مخروطية الشكل وغطاؤها صغير وتملأ بالطحين وبعدها (الواوة) وهو بارتفاع متر ومخروطي الشكل وفوهته من الجانب تحفظ فيه كمية من الملح اما (المجفاية) وهي غطاء كبير وثقيل يوضع فوق اواني الحليب واللبن للحفاظ عليها من الصراصر والافاعي والقطط وهناك صحون طينية دائرية كبيرة تثبت في وسطها الرحى اثناء الطحن وتسمى (ميدة) و(الطابگ) وهو قرص دائري غليظ الحافة يصنع عليه خبز التكمن والذي يقدم للضيف مع السمك المسكوف و(المناصب) وتستخدم حوامل لرفع القدر في اثناء الطهي وتشبه الطابوقة، واواني طينية اخرى لايخلو منها كل بيت اهواري ومنها التنور الطيني والتي توضع جميعها على جوانب البيت والحفاظ عليها من الماء حتى لاتتحول الى طين مرة ثانية والمرأة الاهوارية تفتخر بعدد هذه الاواني في بيتها وتعد شاطرة او يقال عنها نادرة.
صناعة السلال والاطباق

وجاء في الكتاب ذكر الكولان، وعرب الاهوار يطلقون عليه اسم (چولان) بعد قلب (الكاف) الى (چا): نبات طبيعي موسمي اخضر يشبه السلك وتظهر في اعلى اطرافه وريقات صغيرة، ينبت في الاهوار ذات المياه القليلة وعلى حافاتها او قرب مزارع الشلب في موسم الفيضان او يحيط بالقرى العائمة، وارتفاعه لايتجاوز المترين والقليل منه ينبت في الممرات المائية العميقة (گواهين) حيث يكون بارتفاع اعلى وغليظ نوعا ما،ولا يختلط مع النباتات الاخرى، وفي الربيع تصبح غاباته واسعة وكثيفة، مما يجعل بعض الطيور تنسج اعشاشها على سيقانه مثل طيور الفرفر (برهان) والكولان خير علف للجاموس ولعدم توفر خوص النخيل في الاهوار تصنع من قشرته مع عيدان الحلفاء نبات الحلفاء السلال والاطباق وهي من ادوات واثاث البيت الاهواري المهمة، وصناعته هذه من اختصاص النساء دون الرجال وبطريقة تسمى (خرز) أي الغرز بوساطة ابرة غليظة وطويلة نوعا ما تسمى (مخيط)، وبعد جمع كميات كبيرة من قشرته وصبغها بعدة ألوان حتى تصبح ذات نقوش ملونة وجميلة، اما كيفية العمل به فتؤخذ كمية قليلة من العيدان الصلبة وتجعل على شكل حزمة دائرية بقطر انج ونصف ثم تلف قشرة الكولان عليها وبطريقة الغرز وتكملة العمل هذا بطريقة السير من اليمين الى اليسار مع مراعاة النقش والحجم للسلال او الاطباق واكبر هذه السلال يسمى (سبت) وهو بحجم البرميل الكبير وغطائه مخروطي الشكل وتستغرق صناعته اكثر من شهر والفائدة منه هو لحفظ الملابس والاقمشة من الصراصر والقوارض بعد ان يركن في احد جهات البيت الصغيرة من هذه السلال وتستعمل بجمع الخبز وحفظه، وهناك سلة صغيرة ملونة ومنقوشة وتسمى (صفط) توضع فيها النقود والمذهبات وتحفظ في صندوق خشبي مقفل داخل البيت خوفا عليها من السرقة.
وذكر في الكتاب أن الاطباق الدائرية والكبيرة والصغيرة منها يستفاد منها لتقديم الاكل الى الضيف او العائلة في اثناء تناول الطعام وبعضها يطلى بالقير السائل حتى تصبح صلبه وتستخدم لعزل الشلب عن الشوائب والقش بعد رفعها الى الاعلى عند هبوب الرياح تسمى هذه العملية (تنسيف او ذراوه) وهناك اطباق صغيرة وحافاتها مرتفعة وكذلك تطلى بالقير السائل وتسمى (كيلة) لكيل محاصيل الشلب بعد انهاء الموسم وتتسع الى اربع كيلو غرام من الشلب وكل اربعمائة كيلة تعد طن واحدا وهناك طبق مثلها صغيرة يسمى (چبسية) تستخدم لاحضار الطحين قبل العجن.
 اما الحصران فتحاك من الكولان وخيوط القطن في القرى والمدن القريبة من حافة الاهوار والتي تستخدم فراشا للأرائك في المقاهي الشعبية ، وعرب الاهوار لا يبيعون السلال والاطباق مطلقا ويستهزؤون بمن يبيعها ويقولون عنه (بايع الطبك) ولكنها من اثاث وادوات البيت الضرورية.
صناعة الخريط

وورد في الكتاب أن البردي نبات طبيعي موسمي واسمه بالسومرية (اربتو) اوراقه رفيعة قد تصل الى ثلاثة امتار، ينبت في المياه الاغرينية القريبة من مصبات الجداول في الاهوار، او قرب مزارع الشلب وكثير ماتحيط غاباته بالقرى العائمة، جذوره بيضاء طرية تتوغل في اعماق الطين وتسمى (صنبة)، يبدء خضاره ونموه دائما في اواخر شباط ويكتمل في نيسان من كل عام حيث تخرج من وسط نبتة ورقة خضراء تشبه السلك وتسمى (ضربوط) تحمل في نهايتها ثمرتين طول كل منهما ثلاثين سنتيمترا  تقريبا، الاولى تسمى (نفاش) وهي عبارة عن شعيرات صغيرة فارغة تستخدم مع الطين لصنع الاواني الفخارية والتنانير، والثانية في اعلاه وكذلك تتكون من شعيرات متماسكة وفي داخلها طحين اخضر ناعم ويسمى (خريط) اما ساق نبتة البردي غليظ وطري يشبه جمار النخيل نسبة السكريات فيه عالية يأكله الاطفال وتسمى (عكيد) وهو طيب المذاق.
وفي نيسان من كل عام تتضح طحينة الخريط ويطلق عليها عرب الاهوار (موسم الخريط)، تهب النساء منذ الصباح الباكر بمشاحيفهن الكبيرة الى غابات البردي الكثيف لجلب طحين الخريط من اطراف الضربوط وعندما تمتلئ المشاحيف به تعود النساء الى بيوتهن لخزن المحصول والاستعداد لليوم الثاني، وقد يستمر هذا الموسم لعدة اسابيع، وفي حالة هبوب عواصف قوية يتطاير الطحين في الهواء ويتحول جو الاهوار الى عواصف خريطية صفراء ويصبح اصفر وبهذا ينتهي الموسم نهائيا حيث تستعد النساء لصناعته وطبخه بعد عرضه على اشعة الشمس لعدة ايام لتجفيف الشعيرات وتخليص الطحين منها بواسطة الغربال او المنخل او قطعة قماش خفيفة.
اما اكوام الشعيرات وتسمى (جنبل) فتقدم علفا جيدا للجاموس والطحين الاصفر يطبخ بوساطة قدر كبير وبطريقة التبخير، حيث يملأ القدر لنصفه بالماء ثم تسد فوهته بقطعة كبيرة من القماش وتشد شدا محكما ثم يوضع فوقها كمية من الطحين الاصفر مابين كيلو غرامين الى ثلاثة كيلوغرامات وتغلف من الاعلى بقطعة قماش كذلك ويعاد غلق القدر على فوهته وتطلى حافات القدر بالطين الجيد حتى لا يخرج البخار في اثناء الطبخ والذي يستمر لعدة ساعات حتى نحصل على قطعة خريطية دائرية الشكل تشبه الكيك تماما، ثم تقطع بالمنجل الى قطع صغيرة وتسمى (فص) ثم تعرض هذه القطع الى اشعة الشمس حتى تجف وتصبح حجارة صلبة صفراء ويجمع المحصول في اكياس كبيرة ويصبح جاهز للبيع او التسويق الى المدن القريبة بواسطة تجار يطلق عليهم (دوارة) وقد تحشى الكيكة بالتمر وتصبح من حصة العائلة.. وصناعة الخريط وجمعه من اختصاص النساء ويعاب على رجل الاهوار اذا تدخل في جمعه او صناعته ماعدا اكله.
والخريط نعمة من نعم الباري عز وجل الى اهل الهور، وفي موروثنا الشعبي يستخدم للعلاج في حالة اصابة الشخص بالاصفرار وتغير لونه نتيجة الخوف او المرض فيضرب به مثلا (صار لونه اصفر مثل الخريط) ويحتفظ اهل الهور بكميات منه لاستخدامه كدواء في حالة الاسهال الشديد لانه قابض قوي.. واصيبت صناعة الخريط بالشلل التام بعد جفاف الاهوار ولكنها ستعود ثانيا الى اهلنا في الاهوار بعد عودة غابات البردي الكثيفة.
صناعة البواري

وذكر في الكتاب  البارية والجمع باريات وبعد طيها على شكل انبوب تسمى (بواري) وهو الاسم المتداول به لدى عرب الاهوار، ومن الخطأ ان نطلق عليها بالحصران، لأن الحصيرة تحاك من نبات الكولان والخيوط، او من خوص النخيل، بينما البواري تصنع من القصب الجيد، ومتعددة الاغراض ، منها في تسقيف وتغليف البيوت القصبية والمضايف الكبيرة او افراشه، واذا كانت على شكل برميل تسمى (كعيدة) وتستخدم لتنقيع بذور الشلب داخل الماء ولعدة ايام قبل نثرها في المزرعة، وتعد البواري المورد الثالث للعيش في الاهوار بعد الزراعة وصيد الاسماك والطيور.
والقصب نبات طبيعي وسومري حيث جاء في ملحمة كلكامش ترجمة الدكتور طه باقر (ياكوخ القصب... تسمع يا كوخ القصب.. وفهم ياجدار) وكان السومريون يصنعون الاكلاك والمشاحيف منهو كواسطة نقل في مياه البطائح (ياكلكامش قوض البيت... وابن لك فلكا أي سفينة المصدر نفسه) وكان الاجداد وحتى منتصف القرن التاسع عشر كانو يصنعون المشاحيف من القصب والبواري بعد طليها بالقير وتسمى (زعيمة) وذلك قبل دخول الخشب والمسامير الى الاهوار.
وبما ان القصب نبات موسمي فيبدأ بالاخضرار والنمو في بداية شهر شباط ويسمى (عنكر) ويكتمل نموه في شهر مايس وهنا يصبح صالحا لصناعة البواري، حيث تتحول بيوت عرب الاهوار العائمة الى ورش صغيرة، فالأب يذهب قبل طلوع الفجر الى الاهوار لجلب القصب، وبعد عودته يقوم الاطفال بنزع قشوره (تقشير)، ثم تتحول حزم القصب المقشر الى الرجل والذي يقوم بدوره في شق القصبة الى نصفين متساويين بواسطة الة حديدية صغيرة تشبه المنجل وتسمى (مشقة) وهذه العملية (تفشيق)، وكل جزء من هذه القصبة (ليطة) بعرض انج ونصف تقريبا وبعد ذلك يأتي دور المرأة حيث تقوم بدق ورض حزم القصب دقا جيدا بوساطة خشبة على شكل
T وفي وسطها ثقب يثبت فيه عمود غليظ وتسمى هذه (مدقة) وبعدها توضع جميع الحزم المرضوضة في الماء حتى تصبح طرية وهنا يصبح الليط جاهزا للحياكة يقوم الرجل بصف تسع ليطات بعرض انج ونصف لكل منها وبطول اربعة امتار تقريبا، وتمرر مئات من الليط بينها وذلك برفع ثلاث وخفض ثلاث، وهنا يحدد عرض البارية وتسمى البدوة أي البداية، ثم تجلس العائلة بنسق واحد لتمرير الليط في الجهة اليمنى للبارية وعندما تكتمل بطول اربعة امتار تتجه العائلة الى الجهة اليسرى لاكمالها كذلك وهنا اصبحت كاملة تماما ثم يقوم الرجل بثني حافاتها والبدء بالثانية والثالثة وهكذا.. وربما يكون انتاج العائلة من ثلاث الى اربعة بواري في اليوم حيث تصبح جاهزة للبيع، اما اسماء البواري فهي (النعمانية،العشيراوية،التسيعية،الستر،الكعيدة،الهندال) ومن القرى التي تشتهر بصناعة البواري في الاهوار فهي (الجبايش،العويدية،الطار،الكبيبة،الكبة،الصيكل،الصحين،العكر،ابوشذر،الكباب،السفطة،السودة والبيضة،الترابة،ام الشويج،صلين،قرية الشغانبة).. وتعد علوة الحاج سويلم في قرية ام الشويج في اهوار القرنة الغربية اكبر العلاوي لبيع البواري.
وبعد تجفيف الاهوار عام 1992 اصيبت البواري بالشلل التام واخذ عرب الاهوار يعتمدون على الطين في بناء مساكنهم وبعد عودة الاهوار ستعود صناعة البواري وبناء المضايف المقوسة والمشبكة بالمشبك السومري الجميل.