: ولدت على ظهر قصبة
03/12/2013 12:00 صباحا
الباحث
قاسم الفرطوسي: ولدت على ظهر قصبة !الموضوع الاصلي
تعلم الجدف قبل الزحف
بغداد - الصباح
كادت تغرقه في ليل شتاء ماطر احدى مويجات هور الصمين وهو ابن السادسة من العمر، لولا تدخل احدى قريباته بالوقت المناسب لكي تنقذه بإعجوبة وتغرق هي ليصل بعدها مشحوفه الصغير الى والدته التي تنتظره بصبر فارغ على الضفة الاخرى. من تلك الذكرى الموحشة تبدا حكاية الباحث في الاهوار قاسم الفرطوسي المولود عام1942 على ظهر قصبة تسمى"الشجة" في اهوار الصمين التابعة لقضاء المجر الكبير في محافظة ميسان، تلك المدينة الجميلة التي تشكل الأهوار ابرز ملامحها الجمالية والتاريخية .
القحطانية
عن تلك الايام يقول: كان طفل الاهوار مختلفا في نشأته عن باقي اطفال المدن فهو يتعلم الجدف قبل الزحف فبعد ولادتي بساعات دخلت عيني اول قطرة ماء وكانت من الاهوار لتتحول الى عشق ازلي ما زلت اعاني منه ومن مكابداته، لأدخل بعدها مدرسة القحطانية الابتدائية والتي كانت تبعد عن دارنا مسافة ثلاث ساعات رحلة مائية دامت سنوات، وكان مراقب المدرسة المطرب الراحل عبادي العماري الذي كنا نخشاه لضخامة جسده، بعدها انتقلت الى متوسطة المجر الكبير ثم الى دار المعلمين لأتخرج عام 1962ثم التعيين معلما في مدرسة بعيدة تسبح فوق احدى القصبات المائية التي تم افتتاحها بعد معركة مع الانكليز عام 1948 وقد استشهد فيها 12عراقيا وقد ارسل يومها نوري السعيد اربعة افواج من الجيش لتطويقها.
وكان زميلي في تلك الحقبة التاريخية الفنان التشكيلي تركي عبدالامير.
تأثيرات أدبية
ويمضي الفرطوسي مستذكرا ايام قراءته الاولى للادب الشعبي قائلاً: قبل وصول قصائد الشعراء عريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الساطع كانت هناك اهتمامات بشعر الحاج زاير والشاعر خضير ديوان والذين كتبوا المئات من الابوذيات ولون الدارمي والمواويل الشعبية التي تتغنى بالاهوار، وفي عام 1950 دخل الاهوار الرحالة ومنهم وليفر ستنذر وهو انكليزي عشق الاهوار واهتم بتراثه واسراره ليحاضر عنه في جامعة اوكسفورد في لندن كتب بعدها كتابه "عرب الهور" والذي ترجمه سلمان عبدالواحد كيوش وكان من فضائل الرحالة على اهل الاهوار انهم ادخلوا عملية الختان الذي لم يعرفها سكان المنطقة قبل ذلك ليصل بعدها الرحالة الانكليزي"كافن يونغ" الذي كانت له اكثر من اربعين رحلة حول العالم وكان مراسلاً لجميع الصحف البريطانية و ذلك عام 1952.
وقد ظل هذا الرحالة مدة ثلاثين عاما يدرس ويبحث في عالم الاهوار وقد الف عددا من الكتب التي تخص الاهوار وابرزها "العودة الى الاهوار" بعدها اقتربت كثيرا من الباحث والفنان التشكيلي البريطاني"كافن ماكسونغ" الذي دخل الى الاهوار عام 1956 وقد كتب بعدما شاهد الاهوار وطبيعة مجتمعها كتاب"قصبة في مهب الريح" .
وبعد سنوات من مرافقة هؤلاء الباحثين والتحدث معهم لاكون معهم صداقات فكرت بعدها ان اكتب في مجال الهور وادبياته وفنونه.
كتب الاهوار
الفرطوسي تحدث عن ابحاثه وكتبه عن الاهوار قائلاً: رغم استفادتي الكبيرة من الرحالة الاجانب الذين وصلوا قصبات الاهوار وعاشوا فيها سنوات طوال ومرافقتي له في جولاتهم الا ان تاثير مضيف الهور والجلسات الاجتماعية والعشائرية في مضايف الاهوار اضافت لقاموسي الادبي ثراء كبيرا ما دفعني عام 1965 الى ان اكتب اول كتبي عنها وكان يحمل عنوان"اهوار الجنوب" وقد شاركني في تأليفه الباحث حطاب ادهم وهو دراسة استكشافية عن سكنة الاهوار منذ السومريين وحتى الخمسينيات.
وبعد سنوات طوال لم نحصل على موافقة دائرة الرقابة العامة في وزارة الاعلام والتي اجازته عام 1974 في جزأين ليصدر الكتاب عام 2004 بعدها اشترت حقوقه احد الشركات ليحترق عام 2007 مع تفجير شارع المتنبي.. بعدها اصدرت كتابي الثاني"مشاهدات معلم في الاهوار" وهو نظرة بحثية وتسليط الضوء على اسرار الهور، بعدها اتجهت الى ادبيات الهور وميثولوجيته ليكون كتابي الثالث "امثال شعبية في الاهوار" عام 2011 وهو دراسة مستفيظة عن امثال الهور واختلافها عن باقي مناطق العراق ومدنه.
وفي عام 2010 كتبت كتابي الرابع"الصيد في الاهوار" وهو دراسة عن ميزة الصيد في الهور والاسماك المختلفة، اسماؤها وصفاتها والتي تعيش في المياه منذ مئات السنين.
الغناء في الأهوار
وعن ميزة والوان الغناء في الاهوار اضاف الفرطوسي متابعاً:
تأثرت بالوان الغناء في الهور بالاسطورة السومرية التي استمدت منها حزنها ونشيدها الابدي منذ بكاء ونواح جلجامش على صديقه انكيدو، من هنا صار غناء الاهوار له طابعه وشجنه الخاص.
فمنذ الاربعينيات تأسست فرق غنائية اختصت بهذه الالوان ابرزها فرقة"بيت مهيون" وهم مطربون وشعراء شعبيون يتحولون في مشاحيف تقلهم الى اماكن المناسبات ليؤدوا فيها غناء الاهوار المليء بالمظلومية والبكاء، كما ان هناك فرقة اخرى اسست في نهاية الاربعينيات سميت "فرقة صبيح ابو حاتم" ضمت مجموعة من مطربي الريف والاهوار كما ان الاهوار احتفت بالكثير من المطربين الاوائل الذين استقبلتهم مضايف شيوخ الاهوار ومن هؤلاء المطرب الكبير داخل حسن وناصر حكيم كما ان مطرب العراق الاول محمد القبانجي كان قد حضر الى مضيف صالح الصيهود اكثر من مرة ليغني هناك ، بعد ذلك تطورت الوان الغناء ومنها"المحمداوي" الذي نسب الى عشيرة"البو محمد" وقد غناه في الاهوار لبن يسر وبعده سيد فالح وعائلة بيت سرحان وهي عائلة الملحن الآن علي سرحان وكانوا اول من غنى في بغداد في منطقة الشاكرية ومنطقة الوشاش كان ذلك عام 1854 .
وعن الوان غناء"الصبي" الذي انتشر في اهوار الناصرية قال: لقد بدا هذا اللون الغنائي الشجي والمؤثر عام 1963 وقد غناه الكثيرون وابرزهم داخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم وشهيد كريم وغيرهم.
الفرطوسي اشاد بمشاكسة اهالي الاهوار وتحديهم للحملات والهجمات البربرية بدءا من السومريين وصولاً الى الفرس والمغول وانتهاء بعهد النظام المباد الذي جفف مياههم حيث قال: لم يستطع الغزاة عبر التاريخ ان يكسروا"بردية" وحدة من قصب الهور لانها كانت متمردة وعاصية عليهم فهي ملاذ المظلومين والهاربين من جبروت الحكام ومنهم الثوار فكانوا يصلون اليها من مناطق العراق المختلفة وحكاية شاعر العراق الكبير مظفر النواب معروفة في هذا الجانب، ولهذا سارعوا الى تجفيفها.
ألعاب الهور
الفرطوسي اشار في حديثه الى تأثر الالعاب العالمية المختلفة بالعاب الهور التي كان مصدرها الحضارة السومرية حيث قال: ان في الاهوار الكثير من الالعاب الشعبية التي هي في الاساس العاب اولمبية مثل لعبة"تنور مفلش" والتي هي بناء الاهرامات ولعبة"عظيم الضاح"وهي تشبه لعبة الهوكي الان ولعبة "الماطل" وهي تشبه المصارع الان حيث يمسك الخصمان الرقبة والحزام ولعبة "الملازاز" وهي تشبه لعبة سباق الزوارق في المياه ولعبة "شكينعه" وهي تشبه لعبة "الطفر العالي" حيث تلعب في الهور في وضع قصبة هنا وقصبة هناك حيث يطفرها المتسابق .
و لدي بحث جمعت فيه اكثر من مفردة شعبية بلغت 2700 وهي اصلها سومري يتداولها اهالي الهور لغاية الآن، وعن اسطورة "حفيظ" التي اشتهرت بها الاهوار فقد قال: انها اسطورية سومرية بالاصل وهي ممتلكات قديمة الاولى تسمى "ابو شذر" العكر وقد مارسوا فعل التسلط على البلاد التي يحكمونها مما جعل الرب ان يغضب عليهم ويسلط عليهم الجبابرة ومن هؤلاء "حفيظ" الموضوع الاصلى